المواقع الصديقة

samedi 26 novembre 2011

لهذه الأسباب فاز حزب العدالة والتنمية..

لهذه الأسباب فاز حزب العدالة والتنمية



للافت للنظر أنه قبل حلول موعد الانتخابات البرلمانية التي تم تنظيمها قبل الأوان في المغرب، وذلك يوم 25 نوفمبر 2011، كان ثمة أكثر من مؤشر على أن حزب العدالة والتنمية سوف يحقق النجاح في هذا الاستحقاق الانتخابي، ويكسر شوكة الأحزاب التقليدية، بمختلف مكوناتها اليمينية والوسطية واليسارية، التي ظلت طوال أكثر من نصف قرن؛ أي منذ استقلال المغرب، تتحكم في دواليب السياسة المغربية.
هذه المؤشرات المسبقة لم تكن تتعلق بمختلف تصريحات قياديي الحزب فقط، التي كانت تشير بكيفية معلنة أو مبطنة إلى أن الفوز لا محالة آت، أو أن الحزب سائر بلا ريب إلى بر النجاح. لعل ذلك يندرج في استراتيجية الحملات الانتخابية، التي عادة ما تنهج أسلوب الحرب النفسية، التي من شأنها، من جهة أولى، أن تربك حسابات الخصوم السياسيين وتبعثر أوراقهم السياسية، وأن تضرب، من جهة ثانية، على الوتر الحساس لدى الجماهير المجبولة، سيكولوجيا، على الانسياق نحو الجهة التي ينعقد لها الإجماع، سواء على الصعيد الشعبي أم على الصعيد الإعلامي، من هنا تتأكد قيمة الإطار الجمعي الذي تخلقه الجماهير، أو الذي يحضن الجماهير المرددة باستمرار: "الموت فاجماعه نزاهه"، أو "الأزمة إذا عمت هانت". فرغم أن هذين المثلين يُوصّفان، على المستوى السطحي، وبصيغة سلبية، حالتي الموت والأزمة، إلا أنهما، على المستوى العميق، يحيلان على أهمية انتماء الفرد إلى الجماعة التي هي بمثابة الوعاء، الذي يحميه من قسوة الأزمة والأزمنة، ويخفف عنه ضراوة الموت والفاقة..
هذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أن أهم مؤشر تقاس على تذبذباته نتائج أي نشاط سياسي، هو آراء الجماهير وتطلعاتها، التي تحمل بين حناياها توقعات تقترب، بشكل أو بآخر، من الصواب، لأنها تنبثق من قرارة الواقع، وتعبر عن حقيقة ما يجري. وهذا ما انطبق على حالة حزب العدالة والتنمية، إذ كان يتوقع أغلب الأشخاص الذين يتجاذب معهم المرء أطراف الحديث فوز هذا الحزب، لكن بشرط أن تتم هذه الانتخابات بنزاهة وشفافية تامتين. هذا الانطباع، في الحقيقة، ليس وليد تداعيات الربيع العربي، أو دور التيارات الإسلامية في قيام الثورات العربية واستمرارها، أو احتجاجات الشارع المغربي، وإنما ولد منذ انخراط الإسلاميين في العمل السياسي الرسمي في المغرب منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، من خلال حزب العدالة والتنمية، الذي استبشرت به الجماهير يومئذ خيرا، لأنه شكل لها منذ البداية البديل الفعلي الذي كانت تحلم به، وتنتظر سطوع شمسه على المغرب.
إن السؤال الجوهري الذي تطرحه نتائج الانتخابات الأولية، التي تثبت تفوق حزب العدالة والتنمية، هو ليس؛ "هل فاز حقا حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية؟"، أو "كيف فاز بهذه الانتخابات المصيرية لمستقبل المغرب؟". وإنما "لماذا تفوق حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات؟"، و"ما هي العوامل التي أدت إلى تبوئه قمة هرم نتائج الاستحقاقات؟".
في واقع الأمر، لا يمكن الحديث عن عامل واحد ساهم في تحقيق هذا الصعود السياسي لحزب العدالة والتنمية المغربي، وإنما عن عوامل متنوعة تضافرت عبر المكان والزمان لتصنع هذا النجاح السياسي الباهر، اعتبارا بأن هذا الحزب هو محصلة تطورات تاريخية شهدها الحراك الاجتماعي والسياسي المغربي، ولئن يظهر بأنه صنيع نخبة رائدة من فاعلين سياسيين على مستوى التنظير والأداء، فهو كذلك صنيع المغاربة كلهم على مستوى الوعي والاستجابة.
وتتحدد أهم العوامل التي ساهمت في صعود نجم العدالة والتنمية في سماء السياسة المغربية، من خلال العناصر الآتية:
• الحديث بلغة الجماهير: ليس المقصود في هذا الصدد لغة التواصل التي تتركب من رموز وأصوات، وإنما المراد أن حزب العدالة والتنمية يعبر عن هموم الناس ومشاعرهم، ذلك لحضور الرؤية الدينية الإسلامية في خطابه السياسي، وارتباط أغلب قيادييه وفاعليه بالقاعدة الشعبية، وبساطة رسالته السياسية الخالية من الحمولات الأيديولوجية الليبرالية والاشتراكية المعقدة التي ينفر منها أي مواطن عادي، مما يؤهله لأن ينال استجابة أغلب شرائح المجتمع المغربي، من طلبة ورجال تعليم وحرفيين وتجار، وغير ذلك.
• الصعود التدريجي للحزب: إن حزب العدالة والتنمية منذ ظهوره الأول وهو ينافس الأحزاب التقليدية المعمرة، بل وأكثر من ذلك، فإنه تمكن من أن يتجاوزها بشكل كاسح في الانتخابات الأخيرة. هذا الصعود التدريجي الملحوظ ليس وليد اللحظة الأخيرة، وإنما شهده حزب العدالة والتنمية منذ نشأته الأولى، إذ كان يضع خطواته نحو الأمام بشكل مدروس وثابت واستراتيجي.
• تنفيذ البرامج السياسية: تثبت الكثير من آراء المواطنين الذين يقطنون في البلديات التي يسيرها حزب العدالة والتنمية، أنه طرأت عليها تحسينات وتغييرات بارزة بالمقارنة عما كانت عليها فيما قبل، ولا يقتصر ذلك فقط على بعض الخدمات الواقعية، كالنظافة والإنارة والتنظيم وغير ذلك، وإنما يتعداها إلى الخدمات الإدارية التي تقدم للمواطنين بشكل مرن وسريع، لا مجال فيها للرشوة والمحسوبية والتزوير، ونحو ذلك.
• تداعيات الربيع العربي: لعل الثورات التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية، جعلت قسما من المواطنين المغاربة يجنحون إلى اختيار رمز المصباح على باقي الرموز الحزبية، لاسيما وأن التيارات الإسلامية القريبة من رؤية العدالة والتنمية (الإخوان المسلمون، حزب النهضة التونسي، ثوار ليبيا...) أبلت بلاء حسنا في تلك الثورات، ولولا تعقلها في التعامل مع الأحداث الداخلية والمواقف الأجنبية، لاتخذ التاريخ العربي المعاصر مسارا مغايرا.
• احتجاجات الشارع المغربي: كذلك لا يمكن تغييب دور الاحتجاجات التي شهدها المغرب منذ شهر فبراير المنصرم، التي زرعت الوعي العميق في مختلف طبقات المجتمع المغربي، وجعلتها تتفاعل مع الأحداث السياسية الأخيرة التي شهدها المغرب. (التعديلات الدستورية، الإفراج عن المعتقلين السياسيين، صدور القانون المنظم للانتخابات، تنظيم الانتخابات البرلمانية، إلخ). وبمجرد ما أزفت ساعة الاقتراع، كان قد تبلور لدى المواطن المغرب الموقف السليم من الوضعية السياسية والاقتصادية المتردية التي آلت إليها البلاد، نتيجة تسيير الأحزاب التقليدية المفلسة، فلم يكن أمام الجماهير إلا أن تبحث عن البديل الناجع، الذي تراه في حزب العدالة والتنمية، ولا يشكل هذا انتقاما لتلك الأحزاب، وإنما رغبة في الإصلاح الحقيقي التي عجزت عن تحقيقه طوال أكثر من نصف قرن.

• المواقف العالمية الغربية ضد الإسلام: لقد ترسخ في ذهن معظم المسلمين أن الإسلام أو الأمة الإسلامية تتعرض منذ زمن لحرب جديدة مزدوجة؛ صليبية وصهيونية، تجلت في العديد من الأحداث والمواقف، كاغتصاب فلسطين، واحتلال العراق وأفغانستان، وحملات الإسلاموفوبيا المتنوعة، وغير ذلك. لذلك فإن الجماهير ترى في كل من ينافح عن الإسلام ويذود عن حياضه ضد هذه الهجمات الأجنبية مثلها الأعلى، الذي يجب أن تقتدي به وتتكتل حوله، كأنها تؤدي من خلال ذلك جانبا من فريضة الجهاد، أو تكفر بذلك عن قسط من تقاعسها وسكوتها. في هذا السياق يمكن كذلك، استيعاب استجابة قسم عظيم من الجماهير المغربية لدعوة حزب العدالة والتنمية.
إن النجاح العظيم لأية حركة سياسية لا يقاس بميزان الفوز بانتخابات بلدية أو برلمانية، وإنما بمدى ترجمة ذلك الفوز على أرض الواقع، في شكل خدمات ملموسة وأوراش متنوعة ومشاريع ذات مردودية، هذا ما فشلت في تحقيقه، بالكيفية المرضية، الحكومات التي تعاقبت على تسيير المغرب وإدارته، وها الآن قد جاء الدور على حزب العدالة والتنمية ليكون على المحك الحقيقي في زمن حساس من تاريخ المغرب، أمام عيون الجماهير التي لبت دعوته ووضعت مستقبل المغرب بين يديه.
التجاني بولعوالي*
*باحث وإعلامي مغربي مقيم بهولندا

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire